القراءة
شرح آيات سورة النور
جوّ النصّ
تحدثت الآيات عن نور الله الذي شمل السماوات والأرض، وتضرب لنوره الأمثال من الواقع الحسيّ؛ لتقريب المعنى.
بيّنت الآيات أنّ الله تعالى يجازي الإحسان بالإحسان، ويزيد الناس من فضله.
تحدّثت الآيات عن بعض مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى كالسحاب والمطر والبَرَد، والطيرَ وتعاقب الليل والنهار.
شرح الآيات
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
المفردات
اللهُ نورً السماواتِ والأرض: اللهُ هادي السماوات والأرض.
دريّ: مضيء، ساطع.
كمشكاةٍ: تجويفٌ في الحائط لا منفذ له يوضع فيه المصباح؛ ليكون أجمعَ للضوء.
يوقد: يُشعل.
لا شرقيّة ولا غربيّة: تسطعُ عليها الشمسُ طوالَ النهارِ.
يضربُ اللهُ الأمثالَ: يعطي الأمثال.
الشرح
يضربُ اللهُ مثلاً على نور الله وهدايته للخلق فهو -سبحانه- كالنور للسماوات والأرض.
صورة فنّية
شبهت الآية الكريمة نور الله كمشكاةٍ يوجد فيها مصباحٌ مضيء، وهذا المصباح في زجاجةٍ تزيده سطوعاً، وهو يوقد من شجرةِ زيتونٍ مباركة لا تغيب عنها الشمس طوال النهار، ممّا يجعله لامعاً مضيئاً وإن لم تمسسهُ نار.
شبّهت الآية الزجاجة التي تحيط بالمصباح بالكوكب المضيء.
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
المفردات
بيوتٍ: مساجد.
أذِنَ: أمرَ.
لا تليهيهم: لا تُشغِلُهم.
الغدوّ: من الفجرِ إلى طلوع الشمس (مفردها غدوة).
الآصال: حينَ تصفرّ الشمسُ قبلَ المغربِ (مفردها أصيل).
تتقلّب القلوبُ والأبصار: تضطرب القلوبُ والأبصار دلاة على هولِ يوم القيامة.
الشرح
هذا النورُ المضيءُ موجودٌ في مساجدَ أمَرَ اللهُ أن يُرفَعَ شأنها وبناؤها، ويُذكر فيها اسمهُ بتلاوة كتابِهِ والتسبيح والتهليل يُصلي فيها لله في الصباحِ والمساءِ رجالٌ لا تشغلهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذِكرِ اللهِ، وإقام الصلاة، وإيتاءِ الزكاة لمستحقيها، يخافونَ يوم القيامة الذي تتقلبُ فيه القلوبُ بين الرجاءِ في النجاةِ والخوفِ من الهلاك.
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
الشرح
ليعطيهم اللهُ ثوابَ أحسن أعمالهم، ويزيدهم من فضله. واللهُ يرزق مَن يشاءُ بغيرِ حساب، بل يعطيه من الأجر ما لا يبلغه عمله، وبلا عدّ ولا كيل.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)
المفردات
السراب: ما يُرى في نصف النهار من اشتداد الحرّ كالماء.
قيعة: الأرض المستوية، (مفردها قاع).
الشرح
والذينَ كفروا أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم كسراب، يظنّه العطشانُ ماء، فإذا أتاهُ لم يجده شيئاً. فالكافرُ يظنّ أن أعماله تنفعه، فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثواباً، ووجدَ اللهَ سبحانه وتعالى له بالمرصاد فوفّاه جزاء عمله كاملاً. واللهُ سريعُ الحساب.
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)
المفردات
يغشاهُ: يغطيّه.
لجيّ: عميق.
الشرح
أو تكون أعمالهم مثل ظلماتٍ في بحرٍ عميق يعلوه موج، من فوق الموج موجٌ أخر، ومن فوقه سحابٌ كثيف، ظلماتٌ شديدة بعضها فوق بعض إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدّة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نوراً من كتابه وسنّة نبيّه يهتدي به فما له من هاد.
صورة فنّية
شبّه أعمال الكفار بالظلمات في بحر عميق كثير الموج، دلالة على شدة ضلالهم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)
المفردات
صافاتٍ: باسطاتٍ أجنحتهنّ.
الشرح
ألم تعلم -أيّها النبيّ- أنّ الله يُسبّح له من في السماوات والأرض من المخلوقات، والطير صافات أجنحتها في السماء تسبّح ربها؟ كلّ مخلوق قد أرشده الله كيف يصلي له ويسبّحه. وهو سبحانه عليم، مطلع على ما يفعله كل عابد ومسبّح، لا يخفى عليه شيء.
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
الشرح
ولله وحده ملك السماوات والأرض، وإليه المرجعُ يوم القيامة.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)
المفردات
يُزجي: يسوق.
الودْقَ: المطر.
يذهب بالأبصار: يؤدي إلى عدم الرؤية.
يؤلف: يجمع.
البَرد: الثلج.
ركاماً: بعضه فوق بعض.
سنا برقه: لمعان برقه.
الشرح
ألم تُشاهد أنّ الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيثُ يشاء، ثم يجمعه بعد تفرقه ثم يجعله متراكماً فينزل من بينه المطر؟ وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته بَرَداً فيصيبُ من يشاء من عباده ويصرفه عمّن يشاء منهم بحسب حكمته وتقديره، يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب من شدّته يذهب بأبصار الناظرين إليه.
الغرض البلاغي من الاستفهام (ألم ترَ): التقرير.
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
الشرح
ومن دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى أنّه يقلب الليل والنهار بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طولاً وقصراً، إنّ في ذلك لدلالة يعتبر بها كلّ من له بصيرة.